عرض مشاركة واحدة
قديم 15-01-2006, 09:46 AM   رقم المشاركة : 13
Nathyaa
من المؤسسين
 
الصورة الرمزية Nathyaa






Nathyaa غير متصل

Nathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميزNathyaa كاتب مميز


افتراضي

[frame="1 80"]الفكر المجتمعي

كان الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح حاكم دولة الكويت، متابعا جيدا للتداعيات والافرازات الاجتماعية التي صاحبت رياح التغيير التي هبت على الكويت بعد تدفق عوائد النفط عليها، وانفتاح المجتمع لاستقبال افواج العمالة العربية والاجنبية الوافدة للمساهمة في بناء كويت المستقبل، وكذلك خروج افواج من الكويتيين لزيارة دول حضارية متقدمة، وخاصة في اوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية، وبعض الدول العربية، وكذا افواج من الطلبة الكويتيين الذين خرجوا من خلف اسوار الكويت لأول مرة من اجل التحصيل العلمي في دول عربية واخرى اجنبية.
لا شك ان هذا الانفتاح عرض المجتمع لهزة كبيرة اثرت في انماط الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها الكويتيون، فالأسرة الكبيرة بدأت تتقلص لتأخذ شكلا جديدا هي الاسرة الصغيرة «الاسرة النواة»، والاعراف والتقاليد التي كانت تحكم احوال المجتمع تراجعت هي الاخرى لتحل محلها التشريعات القانونية، والفتاة الكويتية خرجت من اسوار البيت لتلقي العلم ليس فقط في مدارس الكويت، بل وفي الخارج ايضا، وان التعاون بين الاسر وابناء الحي في مواجهة اي معضلة او متطلبات حياتية قد انتهت لتحل مكانها مؤسسات رسمية جاءت للاشراف على تنفيذ القوانين وخدمة المواطنين.
هذه التحولات، وغيرها كثيرة جداً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الكويتي، نقلته من الحالة الاولية حيث علاقة الوجه للوجه، والاسرة محورها ووحدتها الانتاجية والاستهلاكية الى وضع جديد في مجتمع مدني تحكمه القوانين، وتنظم حياته نظم واجراءات تشرف على تنفيذها مؤسسات الدولة. ان وضعاً كهذا كان لابد ان يفرز تداعيات اجتماعية يتعرض لها المجتمع، وتصيب شرائح عديدة فيه.
في ذلك التاريخ لم تكن الكويت قد اقدمت على تنظيم الهيئات الاهلية التطوعية، وان كان المجتمع الكويتي كما عرف عنه منذ نشأته مجتمعاً تكافلياً تضامنياً، الا ان مثل تلك التداعيات الاجتماعية الخطيرة كان لابد من التصدي لها من مركز القيادة، وان الاستجابة الشعبية بالتالي لملاحقتها تكون امراً تلقائياً.
وهكذا، كان الشيخ جابر الاحمد واحداً من اولئك القادة الذين اعطوا اهتماماً بالغاً لهذه التداعيات والافرازات الاجتماعية، وان مسيرته الطويلة مليئة بمواقف وصور يمكن لنا ان نستخلص منها الشيء الكثير في كيفية تصديه ومواجهته للقضايا الاجتماعية والمجتمعية، وفيما يلي نماذج من العمل الاجتماعي الرائد:
¼ في ديسمبر عام 1961م، التقت مجلة الهدف الكويتية بالشيخ جابر الاحمد حينما كان رئيسا لدائرة المالية، لتعرض عليه جملة من القضايا المجتمعية، وكانت اجاباته تتم عن فهم وبعد نظر.
ففي ذلك التاريخ، كان هناك مجلس اطلق عليه «المجلس المشترك»... هذا المجلس اقدم على قرار بحصر عمل الفتاة الكويتية في ثلاث دوائر حكومية فقط. وعندما سئل عن رأيه في ذلك لكونه اول من امر بتوظيف فتاة كويتية في احدى شركات النفط، كان جوابه انه ضد هذا القرار، وانه اتخذ في غيابه. وعندما عرض القرار مرة ثانية على المجلس لاعتماده كان الشيخ جابر الاحمد اول المعارضين له معلقاً على هذه الخطوة قائلاً:«.... انا لا اتكلم هكذا كي ابين انني تقدمي امام الفتاة الكويتية، ولكن هذا هو الواقع... اتكلم بما يمليه علي ضميري. فأنا افتخر بأنني تقدمي في حدود، ولكني امقت التمدن الزائد الذي يعبق جوه بالرذيلة والشر.. فأنا أؤمن بحق العمل للفتاة، ولو اننا علمنا الفتاة حتى انتهاء الدراسة الثانوية فقط، لهان الامر، ولكننا بعثنا بها الى الجامعات لتعيش في وسط غريب لسنوات عديدة، حتى اذا ما عادت الى وطنها خدمته ووضعت علومها في سبيل انتعاشه وازدهاره. وانا اعتقد ان الفتاة التي تحافظ على شرفها في تلك الاماكن البعيدة في الغربة. ستحافظ على هذا الشرف ـ حتماً ـ حينما تعمل بين اشخاص من اهلها، يعتبرون شرفها شرفهم..».
¼ منذ ان تولى الشيخ جابر الاحمد رئاسة دائرة المالية وقضية الاجيال القادمة واحدة من الهواجس التي كانت تقلق باله، وحاول جاهداً ان يجد مخرجاً حكيماً يضمن حياة سعيدة لابناء الكويت على مر الدهر، حتى لا ينعم بثروات الكويت جيل من اجيالها، وتحرم اجيال قادمة من ذلك الخير والنعيم، من هنا، اهتدى فكرة الى ضرورة انشاء صندوق للاجيال القادمة يدخر فيها ما يمكن ادخاره من عائدات الدولة واستثماراتها. وبالفعل، وضحت الرؤية وتحققت الفكرة التي سعى اليها بصدور مرسوم اميري في 28 نوفمبر عام 1986م بالقانون رقم 106 لسنة 1986م في شأن احتياط الاجيال القادمة (لمزيد من التفصيل انظر الفكر الاقتصادي).
ويشاء العلي القدير ان يكون هذا التفكير السابق لزمانه، والمعبر عن روح التضحية في سبيل كفالة استمرار عملية التنمية، وتحقيق الرفاه للابناء من الاجيال القادمة، خير معين في مواجهة ما نجم عن عدوان النظام العراقي، واحتلاله لدولة الكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م من آثار بالغة الخطورة والضرر، مكنت الشرعية الكويتية من ان تكفل للمواطنين الكويتيين خارج الكويت، بل وداخلها دخلاً مناسباً يكفي لحياة كريمة لائقة.
وهنا، يؤكد الشيخ جابر الاحمد، قائلاً: «... كنت اريد الا افرط في هذه الاموال، والاحتفاظ بها لمثل هذه الازمات، وللاجيال القادمة...».
حقاً لقد كان تفكيراً صائباً ورؤية ملؤها الشفافية في استقراء المستقبل، جعلت الكويتيين في الداخل وفي الشتات يحتفظون بعزتهم وشموخهم.
¼ لم ينصرف فكر الشيخ جابر الاحمد مند ان دخل معترك العمل السياسي عن الجوانب الاجتماعية في الحياة الكويتية، وما يصاحبها من مظاهر وظواهر طارئة على المجتمع، لها تأثيراتها وتداعياتها السلبية في كثير من الاحوال، بل على العكس من ذلك، فقد وجه جل اهتمامه لهذه القضايا الاجتماعية في محاولة منه لايجاد السبل الكفيلة للحد منها، وسعياً منه لضمان تعديل مسار المجتمع نحو الطريق الصحيح.
فقد سادت في المجتمع الكويتي في حقبة الستينيات ظاهرة اجتماعية، هي انصراف الشباب الكويتي عن الزواج داخل المجتمع، وذلك بسبب المتطلبات الكبيرة التي لم يعتد عليها الكويتيون من قبل، الامر الذي دفع الشباب الكويتي الى الزواج من الخارج تفادياً لهذه المتطلببات الجديدة الباذخة التي بدأت تصاحب حالات الزواج. وكان الشيخ جابر الاحمد وقتها ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، وكان له موقف ونظرة اصلاحية حيال هذه الظاهرة الاجتماعية. ففي احدى مقابلاته الصحفية مع الصحافة الكويتية انتقد بألم ومرارة هذه الظاهرة، حين علق قائلاً: «... منذ متى عرفت افراحنا تلك النزعة الخرافية في الاسراف وتقديم طعام يكفي عشرات الالوف لعدة مناسبات، وتلك المبالغات في فساتين الزفاف ومجوهرات الخطوبة.. انني ارى المسألة تتصاعد يوماً بعد يوم، وكل فرح يأتي يصر اصحابه على ان يكون اكثر بذخاً واسرافاً، وانني ارى العكس، فالمهم ليس شكل الفرح ومظاهره، ولكن المهم هو الحياة بين الزوجين بعد ذلك، وكيف تكون..».
ويذهب الى ابعد من ذلك، حين يقول: «... ان الناس ـ وانا متأكد مما اقول ـ تفعل هذا وهي غير مؤمنة به، انهم يجارون هذه البدع الجديدة التي جرّونا اليها، وانا اعلم ان الكثيرين الان اصبحوا يخافون الاقدام على الزواج اشفاقاً على تلك الحفلات الباذخة التي لا يمكن ايجاد تفسير لها، وهو امر لم يعد مقصوراً على فئة معينة بل اصبح وباء منتشراً...».
ثم يدلل على صور تلك العيوب الاجتماعية بواقعة عملية، حين يشير: «... اتذكر انني في احدى جولاتي الليلية في البادية مررت بعرسين في نفس الليلة، فوجدت في العرس الاول عشرين رأساً من الغنم مذبوحة للضيوف، وفي العرس الثاني عددت ثلاثين رأساً، فصممت ان امر في اليوم التالي لارى ماذا سيتم لخمسين ذبيحة في ليلة واحدة، وفعلاً عدت في الصباح فوجدتها ملقاة في الفضاء، حتى الكلاب عافتها بعد ان اتخمت.. فهل هذا يعقل في عصر تعمل فيه الامم حساباً لكل مواردها ونفقاتها ان يحدث فيها شيء من هذا القبيل..».
ويمضي مخاطباً الذات كحالة يراد منها التوجيه والنصح، فيقول: «...انا لا اسمح لاحد من اخوتي ان يقيم عرساً بشكل من هذه الاشكال، كل ما هناك تذكرتان بالطائرة، ونفقات معقولة لرحلة شهر العسل..».
هذا الوضع الاجتماعي، الذي برز على سطح الاحداث الاجتماعية في المجتمع الكويتي في تلك الحقبة، دفع الشيخ جابر الاحمد للتفكير في ايجاد اداة عملية لمواجهة هذه الظاهرة خوفاً من انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع الكويتي، وبالتالي الاخلال بالتركيب النوعي للسكان الكويتيين، فكان القرار رقم 2 لسنة 1959م بشأن لائحة القروض الاجتماعية والمعدل بالقرار رقم 1 لسنة 1962م، بتحديد اعانة زواج للكويتي الراغب بالزواج من كويتية بمبلغ وقدره الفا دينار كويتي، الف دينار منها هبة، والالف الآخر قرض يدفعه المواطن على اقساط مريحة جداً.
وان اهتمام الشيخ جابر الاحمد بهذه الظاهرة ومتابعتها جعله يبارك بحماس شديد رفع قيمة هذه الاعانة لتصل الى اربعة آلاف دينار كويتي، الفين منها هبة من الدولة، والالفان الاخران يدفعهما المواطن على اقساط مريحة.
كان تواصل الشيخ جابر الاحمد مع ابناء شعبه والمواطنين كافة احد الاهتمامات الرئيسية لنشاطاته، فقد كانت جولاته وزياراته لاماكن تجمع المواطنين في المناطق المختلفة مصدرا من مصادر الوقوف على مشكلات المجتمع وما يعانيه المواطنون. كما كانت هذه الجولات والزيارات فرصة طيبة لدعوة المواطنين للعمل من اجل بناء الوطن، والمساهمة بكل جهد ممكن في تحمل هذه المسؤولية التاريخية.
ففي لقاء مع رجالات الكويت الاوائل دعا الى الحفاظ على روح المحبة والالفة بين المواطنين، مشددا على ان الكويت التي بنيناها متكاتفين ستستمر وستزذهر بتكاتف وتضامن ومحبة ابناء الوطن، واصفا المجتمع الكويتي بانه حلقة واحدة يجب الا نسمح لأحد ان يخترقها ليفرق بيننا.
وفي إشارة اخرى له في هذا الاتجاه، بانه لولا هذه المحبة بين ابناء الشعب لما استطاعت الكويت ان تصمد امام التيارات المختلفة والمتناحرة من حولها، لكن ترابط الشعب ووحدته جعلاه صفا قويا منيعا في وجه هذه التيارات.
كان الشيخ جابر الاحمد يسعى دائما في سياسته الاجتماعية للقضاء على الامية في هذا البلد بأي ثمن. ذلك لايمانه المطلق بان تفشي الامية في المجتمع عائق امام الوصول الى الاهداف المرجوة، فالامية اكبر عدو لتقدم الشعوب ورقيها نحو الافضل. من هنا فان بناء الاوطان والانسان يتطلب القضاء في المرتبة الاولى على الامية واقتلاع جذورها.
كان هذا هو نهجه وتطلعاته نحو حياة افضل للوطن والمواطنين، وان هذا الفكر الرائد يتجلى لنا في الكلمة التي وجهها لابناء الشعب الكويتي عند بدء حملة للقضاء على الامية في الكويت، وبمناسبة صدور مرسوم بقانون رقم 4 في 23 اغسطس عام 1981م في شأن الالتزام بمحو الامية.. هذه الكلمة التي جاء فيها: «وبما اننا نعيش عصر التفجر العلمي الهائل، فنرى ونسمع ونتمتع بالكثير الكثير من منجزات الانسان العلمية في العالم، نتساءل كيف يتمكن الامي في هذا العصر من ادراك ما يدور حوله، ومن استيعاب دوره في الاستفادة من هذه المنجزات، والحفاظ عليها وحسن استخدامها، بل كيف يمكن له ان ينمي نفسه ويرعى اسرته، وان يسهم في نهضة بلده دون حصوله على قدر مناسب من العلم الذي يفتح له نوافذ المعرفة».


«يتبع»
[/frame]







التوقيع

Nathyaa