[frame="1 80"]في عهد جابر الأحمد لم يحدث أن تأثرت أساسيات الحياة بأزمة طارئة أو عصفت الانتكاسات بالاقتصاد الوطني أسلـوب سمـو الأميـر فـي إدارة الأزمـات أذهـل العالـم
الحلقة السادسة عشرة
الهيئة العامة للاستثمار:
نظرا للتزايد المتنامي في حجم الاموال المخصصة للاستثمار والتوسع في دائرة توظيف الاموال، فقد استلزم الامر ان يترجم ذلك في خطوة نوعية تتناسب مع حجم وسرعة هذا التزايد، وقد تمثلت هذه الخطوة في انشاء الهيئة العامة للاستثمار لتحل محل وزارة المالية في ادارة وتنمية احتياطات الدولة المالية. فصدر القانون رقم 47 لسنة 1982م الذي نص على انشاء الهيئة العامة للاستثمار كمؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تلحق بوزير المالية، وتتولى باسم حكومة الكويت، ولحسابها ادارة اموال الاحتياطي العام للدولة والاموال المخصصة لاحتياطي الاجيال القادمة، وغير ذلك من الاموال التي تعهدت بها وزارة المالية الى الهيئة لادارتها وتوظيفها.
ومن الجدير بالذكر ان الكويت قد كوّنت خبرات لا بأس بها في مجالات الاستثمار الدولي، الامر الذي يجعل منها مثالا للخبرات العربية الناجحة في هذا الاطار. وتمتلك الكويت ـ اليوم ـ مجموعة متنوعة من الاستثمارات تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية، بجانب الهيئة العامة للاستثمار في مناطق عديدة من العالم، اهمها: الولايات المتحدة، بريطانا، المانيا، اسبانيا، اليابان، سنغافوره، ماليزيا.
ان الاهداف الاساسية للهيئة العامة للاستثمار متنوعة بمقدار ما هي مهمة وحيوية، فهي تعمل من ناحية على ادارة وتنمية الاحتياطي العام، واحتياطي الاجيال القادمة بافضل السبل الممكنة. وبما يخدم سياسة الدولة المالية والاقتصادية واستراتيجيتها المستقبلية. كما تعمل من ناحية اخرى على ربط تلك الاستثمارات مع القاعدة الاقتصادية في الكويت لتحقيق التكامل بينهما، وتعزيز مصلحة الاقتصاد الوطني، وتدعيم سبل تنميته.
وحول البدائل الممكن توافرها لرفد الميزانية العامة للدولة، التي سجلت عجزا متتاليا خلال العامين 1982م و1983م، علق الشيخ جابر الاحمد على الحديث المتداول حول عائدات استثمارات النفط، الذي كان ينقصه الكثير من الدقة ـ آنذاك ـ أن: «من واقع المعرفة الدقيقة الكاملة بأنها لا تشكل أبدا البديل المالي للعائدات النفطية وانها مجرد رديف مساعد في تحسين مركز الكويت المالي».
ان تاريخ الامةوحدة متكاملة لا انفصام فيها، يرتبط ماضيها بحاضرها ومستقبلها. فقد كانت السياسة الاقتصادية الحكيمة للشيخ جابر الاحمد في المراحل الاولى لاستقلال الكويت، وما قبلها بقليل، ونظرته الثاقبة نحو استشراف المستقبل الذي هو حاضرنا اليوم، والذي عايشناه ابان عدوان النظام العراقي على الكويت.. هذا الصرح الاقتصادي الضخم، بكل ما يحمل من مقومات ومفاهيم اقتصادية علمية راسخة، كان هو سند الكويت وعونها في محنتها، وفي تحرير الكويت وإعادة اعمارها وبناء بنيتها الاساسية، والاسراع في إزاة آثار العدوان والاحتلال وتداعياته وكشف الغمة عن مصير الامة: وطنا وشعبا.
كثيرا ما تُجابه الدول بالازمات المحلية والخارجية الطارئة التي تؤثر على مسار الاقتصاد فيها. والكويت وهي جزء من العالم، ويرتبط اقتصادها بالاقتصاد العالمي، واجهت مثل هذه الازمات. ولكن الشيخ جابر الاحمد كان مثالا لرجل الدولة الذي يدير الازمات بحكمة وروية وحنكة سياسية واجتماعية، وحس اقتصادي فطري، يخرج باقتصاد الدولة سليما معافى الى بر الامان.
ونحن بصدد تناول ادارة الشيخ جابر الاحمد للازمات، وخاصة تلك التي جابهت مسيرة الاقتصاد الكويتي، والتي تخطاها بثاقب بصره وحسه الاقتصادي المعروف. فاستطاع بذلك ان يحفظ للاقتصاد الكويتي مكانته وقوته وصورته المشرقة بين اقتصاديات دول العالم الحر.
ان العمل او الاجراءات الهادفة الى احتواء الازمة ووقف تداعياتها، لا يتم إلا باتخاذ سلسلة من القرارات، تعرف في مجموعة باسم «قرارات الازمة» تشكل في مجموعها محاولة متطورة لتجاوز بطء وتعقيدات عملية صنع القرار العادي لمواجهة ظروف استثنائية او طارئة، تتطلب اتخاذ قرارات سريعة، وغير مرتجلة لمواجهتها.
ففي مجال معالجة الازمات الدولية يعرف الكاتب السياسي «ويليامز «B.Williams» إدارة الأزمات بانها: «سلسلة الاجراءات» القرارات الهادفة» الى السيطرة على الازمة، والحد من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها. وبذلك تكون الادارة الرشيدة للازمة هي التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها.
اما الدكتور علي السالوسي الدبلوماسي والكاتب السياسي المصري المعروف. فانه يعرف القرار: «بانه نوع من عقد العزم من جانب السلطة على اختيار اسلوب معين من اساليب التخلص من حالات التوتر التي تفرضها الممارسة».
وهذه التعريفات مجتمعة تنطبق تماما على اسلوب الشيخ جابر الاحمد في معالجته للأزمات التي واجهت المسار الاقتصادي في الدولة. وفي اطار هذا المضمون يقول عبداللطيف البحر: «لقد جعل سمو الشيخ جابر الاحمد الكويت دولة مؤسسات بكل ما تعني هذه الكلمة من معان. فكان يدير الازمات بشكل مذهل، فلم يحدث ان تأثرت البنى التحتية او اساسيات الحياة في الكويت بأية ازمة طارئة، وبعكس ما حدث في دول اخرى من انتكاسات عصفت ببنية اقتصادها الوطني، وقوضت ركائزه الاجتماعية.
وفي هذا السياق أيضا يتحدث بدر النصرالله: «لا شك في ان سمو الشيخ جابر الاحمد، قد استطاع دائما بحكمته وقيادته الرشيدة، وبصفته رجل التوازن في الدولة، ان يقود السفينة بحنكته وعمق تفكيره ويصل بها الى بر الامان، فكان في عمله رمزا لوحدة الوطن وقوة المجتمع وترابطه. ولعلنا رأينا اثناء هزة الاحتلال الكبرى وقوف سموه بحزم في وجه العاصفة، وكيف استطاع ان يدير الازمة العاتية التي عصفت بكيان الامة برويته وحكمته واتخاذه للقرارات العقلانية والمتزنة، مما دفع ـ وبعون من الله القدير ـ الى تخطي هذه المعضلة واثارها المدمرة، وعودة الاقتصاد الكويتي الى قوته وعزته في زمن قياسي، حتى عاد للكويت دورها المشرق بين الامم».
ويتطرق فيصل المزيدي الى الموضوع نفسه، مؤكدا على ان معالجة الشيخ جابر الاحمد للأزمات لم تأت ابدا على حساب مقدرات المواطنين ووضعهم المعيشي، حين يقول: «لقد تعرضت الكويت مثلها مثل بقية الدول الى مشكلات سواء أكانت اقتصادية ام سياسية. وكما علمنا لم يلجأ سموه ابدا في ادارته للأزمات الى حل يضر الناس، كخفض الرواتب او العلاوات، او تخفيض قيمة العملة، بل كان يلجأ في معالجته للأزمات الى تقليص المشروعات في الباب الثالث من الميزانية على حساب الابواب الاخرى، حتى لا تتأثر معيشة الناس بالازمات والمشكلات المحلية والاقليمية والعالمية، وبخاصة انه هو من رفع شعار مجتمع الرفاه، وهو من عمل على اعادة توزيع الثروة من خلال التثمين ومن خلال فتح باب التوظيف في القطاع الحكومي».
ويضيف المزيدي، فيقول: «لقد قابل سمو الشيخ جابر الاحمد ثلاث مشكلات من اعتى المشكلات فادارها بحزم واقتدار، وهي:
1 ـ كانت اولى هذه المشاكل ـ حسب التسلسل التاريخي ـ مشكلة سوق المناخ عام 1983م وكان سموه في هذه الفترة امير الدولة، ومع ذلك لم يكن بمنأى عن المشكلة على الرغم من مسؤولية أجهزة الدولة عن معالجتها، فكان يستمع للآراء والاقتراحات، ويوجه ويرشد الاجهزة المسؤولة مشددا على عدم اللجوء الى الحلول التي تضر بمقدرات ومعيشة الشعب عامة.
2 ـ والحدث الثاني كان محاولة اغتيال سموه بيد آثمة لزعزعة الامن والترابط الكويتي، ورغم حزنه وأسفه على الشهداء المرافقين له، والذين راحوا ضحية غدر المؤامرة، فقد تمكن بحكمته وايمانه الشديد ان يتخطى، وشعبه هذه المحنة الرهيبة.
3 ـ والحادث الثالث المروع كان غزو الكويت واحتلالها، واضطراره للخروج ليدير ازمتها بعلاقاته المميزة مع مختلف دول العالم، ولقد كانت صدمته قوية من غدر الجار الذي كثيرا ما ضحى من اجل نصرته، وكذلك من مواقف واقوال بعض الصحف الخارجية المغرضة في بعض الدول العربية، وغيرها، وقد تغلب على هذه الصعاب بقيادته لسفينة اعادة البناء والاعمار حتى عادت الكويت عزيزة بين الامم».
اما حمزة عباس فإنه يحدثنا عن ازمتين اقتصاديتين مرت بهما الكويت، فيقول: «لقد مرت على البلاد ازمتان اقتصاديتان ذاتا آثار عالمية، اولاهما سموه الشيخ جابر الاحمد جل اهتمامه، وادارهما وعالج آثارهما بحكمة واقتدار، حتى تمكنت الدولة من تخطيها بسلام«.
«يتبع»[/frame]