مزودة بحوامل محاليل وتلد فوقها النساء
عربات كارو تجرها ثيران منهكة لإسعاف المرضى في النيجر
أحد المرضى أثناء نقلة على عربة خشبية.
مزودة بحوامل محاليل وتلد فوقها النساء
عربات كارو تجرها ثيران منهكة لإسعاف المرضى في النيجر
أحد المرضى أثناء نقلة على عربة خشبية
[grade="FF4500 4B0082 0000FF 000000 F4A460"]تيلي بري: عاصم الغامدي
يقف سكان القرى الفقيرة في دولة النيجر على مسافة لا تقل عن قرنين على الأقل من الحياة الحديثة, ذلك أن هذه القرى تبدو لأول وهلة وكأنها بقايا خارطة قديمة تنتمي إلى عصور غابرة.
فلا يزال سكان قرية كرما الفقيرة التابعة لمحافظة تيلي بري في جمهورية النيجر يستخدمون عربات "الكارو" التي تجرها الأبقار كبديل متوفر لسيارات الإسعاف في نقل مرضاهم إلى مستوصف القرية البدائي أو المستشفى في المحافظة أو المركز الطبي في قرية مجاورة أكبر، حتى إنهم عملوا على تطويرها بتركيب حامل لمغذي الجلوكوز الذي يتم إدخاله في وريد المريض عند نقله إلى المستشفى للعلاج أو خروجه منه للنقاهة، وذلك لعدم وجود سيارات في القرية ولعدم توفر إمكانات لدى أهالي القرية لشراء سيارة إسعاف من أي نوع وطراز.
تقع محافظة تيلي بري على بعد نحو 125 كلم إلى الشمال من العاصمة النيجرية نيامي، وتعيش الغالبية العظمى من سكانها في فقر شديد فيما يعيش سكان القرى التابعة للمحافظة تحت خط الفقر بمراحل، ورغم ذلك يفاخر الرجال فيها بتعدد زوجاتهم وكثرة أطفالهم حتى إن أقل واحد بينهم لديه زوجتان ولا يقل عدد أطفاله عن ستة، ويعمد الأهالي إلى تزويج بناتهم في سن صغيرة للتخلص من تكاليف إطعامهن، فيما يقوم الزوج بتشغيل نسائه في الحقل حيث يقمن بمساعدته في أعمال الزراعة والرعي التي يعتمد 90% من سكان هذه القرى عليها.
وصلت إلى قرية كرما التي تبعد عن العاصمة نيامي قرابة 75 كلم مع مرافقي في الساعة الخامسة مساء، وقد بدت لي قرية جميلة تقع على هضبة مشابهة في تضاريسها وغلبة الاخضرار عليها وعلى ما حولها للهضاب والتلال الموجودة في المنطقة الجنوبية من السعودية، ويمر في أسفل الهضبة التي تقع عليها القرية نهر النيجر مشكلا مشهدا أشبه ما يكون بلوحة فنية.
عندما وصلنا إلى مستوصف القرية الذي يجري ترميمه شاهدنا رجلا مريضا يرقد على إحدى تلك العربات الخشبية المخصصة للإسعاف ولأغراض أخرى فيما افترش أهله الأرض حول العربة في انتظار أحد أمرين كما بدا من وجوههم ونظراتهم الحائرة إما أن يمن الله عليه بالشفاء على يد الممرض الوحيد الموجود أو يقضي نحبه قبل التمكن من الدخول إلى المستوصف شبه المهجور أثناء الترميم وربما في الأحوال العادية.
يقول أحد مسؤولي جمعية الهلال الأحمر السعودي التي تقوم بأعمال الإغاثة في محافظة تيلي بري التقينا به قرب المستوصف: عندما حضرنا إلى المنطقة لاحظنا أن المرضى لا يعانون فقط من عدم وجود الأطباء أو توفر الدواء بل من عدم وجود أدنى درجات النظافة فليس هناك مكان
لفحص وعلاج النساء، ولا مكان معقم للولادة حتى إن الحوامل يضعن مواليدهن على فراش إسفنجي ممتلئ ببقع الدم والقذارات التي تجعله في حالة يرثى لها، بل إن النظر إليه يؤدي إلى الغثيان.
تجولنا في المستوصف الذي يجري ترميمه بطريقة بدائية فلم نجد أي أثر لحركة أو نشاط فيه سوى حركة عمال الترميمات البطيئة، وخرجنا واقتربنا من المريض الموجود على العربة في الخارج، كان يتأوه بصوت منخفض لم يعد يستطيع التحكم في مستواه في انتظار مصيره الذي مازال مجهولا لأن أحدا في المكان لا يعرف مشكلته وطريقة لعلاجه أو على الأصح لا أحد يهتم بشأنه، وفيما كنا نتهامس حول وضعه حضرت عربة أخرى يجرها ثوران هزيلان أنهكهما الجوع والتعب على ظهرها ثلاث نساء إحداهن استلقت على ظهرها بطريقة تدل على أنها المريضة وكانت حاملا، وأكد عضو فريق الجمعية الواقف معنا أنها على وشك الولادة.
عندما توقفت العربة قريبا منا تبين لنا أن الحامل حضرت إلى المستوصف مع والدتها وامرأة أخرى للولادة ولا شك أنها ستكون على ذلك الفراش الإسفنجي القذر المزدحم بالجراثيم فقد اعتادوا الحضور إلى مقر المستوصف في حال المرض لأن الممرض الوحيد الموجود في القرية يسكن في منزل تابع للمستوصف وهو الذي يقوم بعلاجهم معتمدا على خبرته وما يتوفر لديه من أدوية وأمصال مازالت صالحة للاستخدام.
ويعلق من جديد عضو فريق الإغاثة السعودي على المشهد قائلا: بينما كنا نقوم بجولتنا لرفع تقرير عن أوضاع هذه المستوصفات وإمكان تطويرها وتحسين مستوى العمل فيها شاهدنا النساء يلدن على مثل هذا الفراش المتسخ دون أي اهتمام بالنظافة حتى إن المولود حين يخرج إلى
الحياة يتم لفه بقطعة قماش أكثر اتساخا وتجرثما من الفراش الإسفنجي الأمر الذي يعرض الكثير من المواليد للإصابة بالعديد من الأمراض الوبائية وبعضها قاتل.
ويضيف: أما المريض الملقى على العربة أمام المستوصف فإنه غالبا مصاب بمرض الملاريا جراء لسعات البعوض المنتشر هنا في محيط النهر، وكما ترون لا يقدم له العلاج المناسب لعدم توفره كما يبدو لكن الممرض المسؤول عن المستوصف يقدم له محلول الجلوكوز المتوفر لديه وهو ليس علاجا بطبيعة الحال.
وتعقيبا على ما نقلناه له من صور قاتمة ومأساوية عن الأحوال الصحية في محافظة تيلي بري يقول رئيس فريق الهلال الأحمر السعودي في النيجر: لقد قمنا بالاتفاق مع أحد المقاولين المحليين لترميم العيادة الخاصة بالمستوصف وغرفة الولادة وتجهيزهما بالمعدات اللازمة وتأمين سيارة إسعاف تكون تابعة للمستوصف لنقل المرضى إليه من القرية والقرى المجاورة، كما سنقوم بتشغيل المستوصف وإدارته لفترة من الوقت لتنظيم العمل فيه وبعد أن نطمئن إلى انضباط سير العمل فيه سنقوم بتسليمه للإخوة في وزارة الصحة في النيجر لتولي تشغيله.
ماقول غير: الحمد لله على النعمة اللي احنا فيها..[/grade]